كرة القدم- بين وهم المظلومية والاعتراف بالفشل الحقيقي

المؤلف: فهد البندر08.17.2025
كرة القدم- بين وهم المظلومية والاعتراف بالفشل الحقيقي

لقد تغيرت نظرة جماهير كرة القدم وتبدلت قناعاتها، فلم يعودوا يصدقون الدموع المصطنعة، والصراخ والعويل المبالغ فيه، وتعليق أسباب الإخفاق على أخطاء التحكيم، بعد كل مباراة يعجز فيها اللاعبون عن هز شباك الخصم. اليوم، باتت الجماهير على دراية تامة بأن الفشل الحقيقي يكمن في عدم تحقيق الأهداف المنشودة، حتى وإن استأثر الفريق بالاستحواذ على الكرة في أرض الملعب بنسبة كبيرة للغاية، وأن جعجعة رؤساء الأندية وإدارييها المتشدقين ليست سوى كلام فارغ لا يعكس الحقيقة، بل هو مجرد تبريرات واهية. قلة من العقلاء يعترفون بأن التوفيق لم يحالف فريقهم في تسجيل الأهداف، حينما يتعثرون في تحقيق الفوز، وهو عذر قد يكون مقبولاً على مضض، ولكن غير المقبول على الإطلاق هو النواح والعويل بعد كل مباراة، وارتداء ثوب المظلومية، وادعاء أنهم ضحايا لمؤامرات تحاك ضدهم، وأنهم الأجدر بالفوز بكأس العالم لولا الظلم الذي يتخيلونه في أوهامهم! اليوم موعدنا مع ديربي العاصمة المثير، وإذا ما استرجعنا شريط الذكريات، فسنتذكر كيف حقق النصر الفوز في مبارياته ضد الهلال في العامين الماضيين، حينما انتصر في ثلاث مباريات متتالية، مرة بفضل ركلة جزاء مشكوك في صحتها نفذها الجيزاوي، وهدف عكسي سجله سلطان الدعيع في مرمى فريقه، ومرة أخرى بفضل ركلة جزاء احتسبت لصالح شايع مع نواف العابد، وهي ركلة لا يقرها ضمير سليم، ومرة أخرى بفضل تسلل واضح وضوح الشمس في رابعة النهار للسلاوي، تبعتها مباراة الأربعة الشهيرة عندما لعب الهلال بعشرة لاعبين منذ بداية الشوط الأول، ومع ذلك اكتسح النصر، لم يحقق النصر الفوز إلا بفضل ركلة جزاء تثير الشكوك حول صحتها، أو بضربة رأس غير متقنة في دربكة حدثت أمام مرمى المنافس، ومع ذلك يزعم بعض إعلامييه أن فريقهم هو صاحب الاستحقاقات والإنجازات، والفريق الذي لا يمكن قهره، ولو كانوا صادقين مع أنفسهم قبل أن يكونوا صادقين مع جماهيرهم، لقالوا بصراحة إننا فزنا بلا مستوى مقنع، وأن الأخطاء التحكيمية ساعدتنا بشكل كبير (وأنا أرى أن الأخطاء التحكيمية جزء لا يتجزأ من اللعبة، ولا يظن الظنون السيئة فيها إلا ضعفاء العزيمة والإرادة، وأصحاب النوايا الخبيثة الذين يهدمون ولا يبنون). ولو اعترفوا بجرأة فقالوا إننا سجلنا هدفاً من مخالفة غير صحيحة أمام الأهلي، ومن ركلة ركنية أمام الاتحاد، وهزمنا من فريق الخليج المتذيل للترتيب، ومن الفريق الصاعد حديثاً من الدرجة الأولى، وليس هذا انتقاصاً من الفرق التي تحقق الفوز، فالفوز حق مشروع لكل مجتهد ومثابر، ولكن التباكي المستمر قبل المباريات المصيرية والإكثار من الشكوى من التحكيم ما هما

إلا محاولة لتقويض عزائم اللاعبين وتحطيم لمعنوياتهم، وتبرير للهزيمة المحتملة في المستقبل. لم نرَ أحداً منهم يتحدث عن المستوى المتدني لفريقه بعد مباراتهم ضد الخليج التي خسروها على أرضهم وبين جماهيرهم، في حين كانت الفرق الأخرى تحقق الفوز على الخليج بنتيجة كبيرة كالأربعة والخمسة والستة، ولم ينطقوا بكلمة واحدة عندما حقق التعاون الفوز عليهم، وهو أحد فرق المؤخرة في ذلك الوقت، بينما كانوا يوهمون جماهيرهم بأنهم سيتصدرون جدول الدوري بالفوز على التعاون الذي اكتسحهم في الربع الساعة الأول من المباراة (مع تحفظي الشديد على الصدارة المؤقتة التي يتغنون بها، فهي لا تسمن ولا تغني من جوع)، ولم يعترفوا بأنهم كانوا سيئين للغاية عندما فاز فريقهم على القادسية في الثواني الأخيرة بكرة طائشة، سجلوا منها هدفاً احتفلوا به بشكل مبالغ فيه، وتناسوا أنهم لم يقدموا الأداء الذي يؤهلهم لمقارعة الكبار على الفوز بالبطولة. ليس النصر وإعلاميوه وحدهم من يسلكون هذا المسلك، وإنما اقتدى بهم في هذا الطريق السيئ كثير من إعلاميي الأهلي، فأكثروا من التباكي والتشكي من الحكام، ونصبوا لهم المشانق والمقاصل، واستخدموا العبارات المسيئة وسوء الظنون. في المقابل، لم نرَ رجالات نادي الاتحاد وجماهيره العاشقة يتذمرون ويشككون في التحكيم وفي رجالات الرياضة السعودية الذين أفنوا زهرة شبابهم في خدمة هذا الوطن، بل تقبلوا الأمر بروح رياضية عالية، واعتبروه خطأً عادياً يحدث من الحكام في جميع ملاعب العالم، وذلك حينما أخطأ حكم مباراتهم ضد الشباب في ملعب الجوهرة ومنح الشباب النقاط الثلاث عن طريق الخطأ، كما لم نرَ الهلال ولا الشباب ولا الفرق الأخرى بهذه الصورة الغريبة، التي يمارسها بعض الإعلاميين النصراويين والأهلاويين، وادعاء المظلومية والبكاء على وهم زائف، تتخيله جماهير الناديين ماءً وهو ليس كذلك. وقفة: إن إيهام الجماهير بالمظلومية وتقمص دور الضحية لم يعد يجدي نفعاً، سواء أمام الجماهير الواعية أو أمام الحكام المهزوزي الشخصية الذين يكثر وجودهم في رياضتنا السعودية في هذا الوقت، والسبب الرئيسي في اهتزاز شخصياتهم الضعيفة أصلاً هو استماعهم إلى بكاء الباكين ونواح النائحين وعويل المولولين.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة